ما أجمل البهجة والأمل على أيّ وجه, خاصة إن كان هذا الوجه لإنسان طيبٍ يسعى دائماً للخير والسلام مثل وجه الشيخ صباح أمير دولة الكويت الذي لا يستطيع أحدٌ أن ينسى سعيه وهو صائم ومتوعِّك من بلد إلى بلد من أجل حلّ أزمةٍ لم يكن طرفاً فيها. البارحة وددت لو كان في الإمكان تعزيز ذلك الأمل على وجهه, ولكن, ربما لم يكن الأوان قد آن بعد..
ثمة معوقات في طريق تنفيذ الثلاثة عشر بنداً التي تحتويها قائمة المطالب. أعلم أنّ عدداً منها مستحيل التحقيق لارتباطه بالسيادة, ولكني تساءلت, ألم تكن ثمة وسيلة للدفع بعجلة المصالحة؟ بحثت عن القائمة في الشبكة وقرأتها ثانيةً, لمعلوماتي الخاصة. بدت شديدة الصعوبة. ثم علمت ما المشكلة, أو بالأحرى, المشكلات التي تعوق تنفيذها..
المشكلة الأولى تكمن في نبرتها: إن بها نبرة فوقيّة مستفزّة. طرفٌ واحد عليه أن ينفذ رغبات باقي الأطراف, أو بالأحرى أوامرهم. إنها ليست لائحة مطالب بقدر ما هي خلاصة جلسةٍ تأديبيّة. وهنا تأتي المشكلة الثانية: إنها طريقة العرض. مثل هذه المطالب لا ينبغي أن تأتي هكذا مستقلةً عن مذكرةٍ أو تقرير يسبقها وتذيّله هي كخلاصةٍ بعد الحديث عن دواعي كل مطلبٍ في هذه المذكرة أو التقرير, فالمطلب يأتي كحل لمشكلة تُعرض أولاً في مذكرةٍ ليكون مبرراً ومقبولاً.
وهنا تأتي المشكلة الثالثة: لا يمكن ذكر حالة نتج عنها مطلبٌ بهذا الشكل الارتجالي, ومن دون أن يثبت بالدليل صحّة هذه الحالة أو بالأحرى, التهمة. لو عاقبتَ طفلاً عقوبةً ما لَلزِم أن تخبره بما فعل ليستحق العقاب, ولذكرت له تفاصيل ما فعل ليكون سلوكك تربوياً ومجدياً, فكيف “تعنف” دولة أو تعاقبها بإجراءٍ ينفَّذ بشكلٍ عدائيٍّ ومفاجيء ثم لا تذكر لها ما استأت منه كدولةٍ أو مجموعة دولٍ في أيّة مذكّرة, وإنما تكتبه على هيئة مطالب. ثم إنك ينبغي أن ترتب أفكارك بحيث تفصل بين ما يشكّل للطرف المعاقَب ضرورة وبين ما هو رفاهية, وفي حالة الدول بين ما هو سيادي لا يحق المساس به وبين ما يعامل معاملة الرفاهية التي من الممكن الاستغناء عنها.
وهنا تأتي المشكلة الرابعة: إن الدول المعاقِبة أو المحاصرة لم تُفرّق بين ما هو سيادي وما هو دون ذلك, وهذه سمة من سمات الاستعلاء والشعور بالفوقية. إن قطر أيها الأخوة المحاصِرون, أو لنثبت حسن النية فنقول المقاطِعون, ليست طفلكم الذي أساء الأدب ليصبح لديكم الحق الكامل في الوصاية عليه وتحديد احتياجاته وعلاقاته ومقتنياته.
تعاملات قطر مع قوات أي بلدٍ شقيقٍ أوصديق شأن داخلي, وليس لكم فيه إلا ما لها في قواتكم: عدم التعرض لكم كما عليكم عدم التعرض لها, كما هو الحال في جميع التحالفات, وحتماً كما تقتضي عضوية مجلس التعاون. وكذلك علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية هي حرّة فيها. ثم ألم يصبح هذا البند لاغياً بعد أن عادت العلاقات وقويت دبلوماسياً بينكم وبين إيران التي اقتضى بندان تخفيض العلاقات معها؟ ومن قبل أن تُقوّى العلاقات الدبلوماسية بها ألم تكن علاقاتكم الاقتصادية معها هي الأقوى؟ وهنا يبرز عنصر الاستعلاء القبيح مرة أخرى في الرسالة الضمنية إلينا: “نحن أحرار نفعل ما نشاء أما قطر فـأيضاً تفعل ما.. نشاء نحن لا هي!”
“منابرنا الإعلامية تستطيع أن تلفق ما تشاء من الأخبار عنكم وتستطيع أن تعلم أجيالاً وأجيالاً في فنون الفبركة والكذب عن طريق ما نفبركه عنكم أما منابركم فيمنع عليها في سبيل الدفاع عن نفسها حتى أن تتحدث عن أخبارنا التي لا نحب إذاعتها, فإذا فعلت فهي قناة فتنة يجب أن تغلق! بعكس قنواتنا التي تستطيع أن تفعل ما تريد.”
أما مطلب التعويض المالي فهو أيضاً مطلب غريب. كيف تفتعلون مشكلة تكلف الجميع مليارات الريالات أو الدنانير ثم تفرضون على قطر أن تعوضكم ما تسببتم فيه أنتم لها ولكم؟ بأيّ منطق؟ فقط لافتراضكم أنّها موّلت إرهاباً على أراضيكم؟ هاتوا برهانكم إذاً! وهنا أيضاً نرى نقطة استعلاء أخرى: “نحن نموّل مجموعات, نغيّر أنظمة, نغزو بلاداً, ونقتل كثيراً من أبنائها بنيراننا “الصديقة” ونحتلّ أجزاءً من أراضيها ونغلق منافذها, أما أنتِ يا قطر فلا ينبغي لكِ أن تدعمي أي جهة ترين الحق معها. فنحن الذين نريكِ ما نرى ونهديك سبل الرشاد! وإذا دعمتِ رئيساً من جماعة الإخوان التي نكرهها جاء بانتخابٍ واشترطتِ أن ينفق دعمكِ في تنمية بلاده واستقرارها, لا تنميته هو وبطانته, ودعمتِ مقاومةً توقفنا عن دعمها فقط منذ أشهر فأنتِ قد موَّلتِ الإرهاب, وستبقى هذه وصمة في جبينك إلى الأبد!”
“وسنسوّئ سمعتك في العالم وعند شعوبنا وسنجعلها تكره شعبك وتتوعده في كل مكان وتغني ضدك. أما نحن فلنا أن نمول ونقلب وننحاز ونغزو ونتدخل في شؤون الدول كما نشاء.. وبالمناسبة, نحن نستطيع أن نتدخل في شؤونك أنت أيضاً ونخلع أميرك الذي يحبه شعبك ونضع مكانه أميراً نستطيع أن نملي عليه ما نشاء لأنك ستكونين عندئذٍ مستعمرتنا”.. الاستعلاء العفن ذاته!
نصيحتي للدول المقاطعة, إن كنتم تفضلون هذا التعبير, أن تدقق فيمن تختارهم كمستشارين وسفراء. لم نسمع قبل الأزمة عن مستشارين ولا سفراء يهددون ويتوعدون ويتحدثون باستعلاء. كان المستشارون دائماً, رجالٌ أو نساء, رجالَ ظلٍ في الغالب, من النادر أن يعرفهم أحد, وكانوا دائماً يتحلون بالحكمة, لا يجيّشون إليكترونيا ولا يؤججون الفتنة بين الشعوب. وكان السفراء دائماً دعاة سلام بين بلدهم وباقي البلدان, لا يغردون بما ينسف العلاقات بينها وبين بلادهم. عودوا لتلك التقاليد التي تبني ولا تهدم, وتجلب الرقي لبلدها لا التي تنحو به نحو البدائية الدبلوماسيّة.
لنتخلى عن استعلائنا على بعضناً بعضاً ونرتب أوراقنا إن كنا نريد أن نطالب بأشياء, بحيث لا تعتبر الموافقة عليها شهادة إثبات للتهمة, ولنربأ بأنفسنا أن نتّهم بلا أدلّة. ولنلتزم جميعاً بأمورٍ تصب في مصلحتنا جميعاً. لا نكيد المكائد لبعضنا بعضا, ولا نحاول تشويه بعضنا بعضاً, ولا نستغل عاطفة الشعوب وانحيازها الفطري لأوطانها. إن علاقات الدول تُبنى على الاحترام المتبادل لا على الأحجام ولا مقدار القوى. وما بيننا أكثر من الاحترام المتبادل, إن ما بيننا حبٌّ أخويّ بقِدَمِ أرضنا الواحدة. كلنا أمل أن تنصلح الأمور. ولا أحَبُّ إلينا من أن نعود إخوةً في خليجنا الواحد, ومن أن يسعد الشيخ صباح بثمرة سعيه المقدَّر.
دلال خليفة
|
Leave a Reply