لم أر قوماً أكثر خضوعاً للغرب وخاصة أمريكا من العرب. أذكر أنّه مر بي يوماً خبرٌ عن سياسي أمريكي تحدَّث عن طلبٍ صعب التنفيذ لمِا يشمل من قسوةٍ على البشر, كانوا قد طلبوه من أحد القادة العرب, وعندما تم التنفيذ قال السياسي الغربي في مناسبةٍ ما, وقد ارتسمت على وجهه بسمة سرور وعجب, إن ذلك القائد العربي قد “أدى ما طُلب منه بأكثر مما توقعنا”.
تذكرت ذلك وأنا أرى الخضوع الشديد لأوامر ترمب من قِبل الدول التي اتفقت معه على مصالحة إسرائيل حتى أنها بدت وكأنّ على عيونها غشاوة تمنعها من أن ترى ما يحدث للمسجد الأقصى. ما هذا الصمت الغريب؟ هل من كلمة؟ إن ربكم الله وليس ذلك الرئيس محدود مدة الصلاحية الذي يتفاخر بإخضاع القادة العرب وقدرته على إخراج من يشاء من سجونهم وما يشاء من أموالهم.
أحببت أن أكتب عن الأقصى شيئاً, ولكن ماذا أقول؟ الأقصى يناديكم؟ قطعاً لن أستجدي للأقصى فنصرته واجبة بحيث أن من لن ينصره من أصحاب السلطة من المسلمين ولو بموقف يبدي فيه استهجانه بأيّ طريقة فسيُسأل عن خذلانه له. لأنّ هذه أمتنا أمة واحدة كما أخبرنا الله في كتابه العزيز. ماذا أكتب أو أقول بعد أن سكت العلماء أو أسكِتوا؟ هل أقول ما ظننت أنهم سيقولونه؟ حسناً, سأحاول:
في البداية اجتراءٌ بافتراءٍ وتلفيقٍ للنيل من بلد شقيق في شعبان, الشهر الذي تُرفع فيه الأعمال, ثم اجتراءٌ في رمضان على الله ورسوله وشهره الفضيل, بحصار مسلمين وإجبار ذويهم على قطع أرحامهم, هلّا رجوتم لله وقارا. ولا يُتوّج ذلك العمل ضد دولةٍ من الدول العربية القليلة التي لا تزال تساند القضية الفلسطينية إلا بهذا الصمت الغريب إزاء التنمُّر على المسجد الأقصى, وكأنه مسألة لا تعنيكم, وأنتم ترون قمع المسلمين في ساحة الأقصى وإغلاق مسجدهم دونهم.
وما مسجدهم هذا إلا المسجد الذي بارك الله حوله.. ألا يكفي هذا ليُعلِمكم قدره؟ إنّه المسجد الذي أسرى الله بنبيِّنا الكريم إليه. كيف لا ترون في هذا قدرْاً مُستحقّاً للذوْد عنه وقد أحاطت به معجزة البراق والإسراء من مكة إليه؟ هل لا زلتم ترون هذا غير كافٍ لنصرته؟ فتذكروا إذن أيضاً أنّه المسجد الذي صلى فيه الأنبياء.. هل سمعتم بمسجد صلى فيه الأنبياء مجتمعين غيره؟ كيف تستطيعون السكوت وإسكات الشيوخ لكيلا يقولوا كلمة حق. لقد كنتم مرجوّين عندنا قبل هذا, ولطالما صلينا خلف أئمّتكم وأمّنّا مخلصين على دعائهم لكم. فماذا حدث؟
إن ترمب لن يلبث في السلطة أكثر من ثلاثة أعوام ونصف إذا برِئت ساحته, وإذا حدثت المعجزة فلن يلبث أكثر من سبعة أعوام ونصف, ثم ماذا وقد اشتريتم مرضاته بإغضاب الله؟ ألا تعلمون أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وأنه لا عهد ينبغي أن يتنافى مع عهدكم مع الله؟ وعهدكم مع الله كمؤمنين يقول بموالاة أهل الأقصى لا بموالاة أمريكا وإسرائيل عليهم, وأي اتفاق يُملي عليكم الرضى بما يحاك ضد الأقصى الشريف والسكوت عليه وعلى اضطهاد المسلمين والناس عموماً لا يجوز إبرامه أصلاً. بل والأدهى والأمرّ أن يخرج من بلادكم من يدافع عن المعتدين. لقد كان العلمانيّ لديكم منتقَداً قبل هذا فكيف طالت العلمانية عقر دار الإسلام؟
هلّا ثُبتم إلى رشدكم أو أطلقتم سراح ألسنة شيوخكم على الأقل؟ لقد أوشكتم أن تفتنوا الأمة إذ حجرتم على ألسنة علمائكم, وجعلتم جهلاء الأمة يتشككون في كل شيءٍ حتى كاد تشككهم أن يطال الإسلام نفسه بعد أن فقدوا الثقة في ذمّة علمائه. فعودوا رجاءً إلى موقفكم الوقور المناصر للإسلام والمسلمين, والذي أوحى بمنح الجنسية السعودية مثلاً لداعية مسلم من الهند لإنقاذه من تهمة كادت أن تسجنه.
لقد أخطأ الشباب الفلسطينيون الذي حملوا السلاح في ساحة الأقصى فتسببوا في إغلاقه, ولكن المبالغة في التنمر على المسلمين والغطرسة ببسط النفوذ أيضاً لا تقبل ولا تبرر. إن التهديدات للأقصى رهيبة. فالمحتلون يتحينون الفرص لهدمه بحجة أن هيكل سليمان تحته وينتظرون بفارغ الصبر أن تضعف حلقة الوصل بينه وبين الأمة لينسفوه.
عودوا محتوين للمسلمين ولقضايا المسلمين قبل أن يفوت الأوان, فالتطبيع لا يليق بكم. ليس الآن, ليس قبل أن يحظى الفلسطينيون بكل الحقوق وترفع عنهم كل الحواجز ويُكفوْن شر التنمر والازدراء الذي يمارسه المحتلّون عليهم وعلى مسجدهم المبارك حوله. إنّ خطيئة ترك الأقصى لليهود أكبر مما تظنّون, ومكاسبكم عند الله في حالة نصره أكبر بكثير من مكاسبكم عند ترمب وإسرائيل وأمريكا في حالة خذله, التي أقصاها إن تمت مكاسب دنيوية زائلة, إن استطاعوا تقديمها.
وتذكّروا كيف وثق بهم صدام واعتمد إذنهم له بالغزو الآثم المُغضب لله بلا شك للكويت, وإن أذن به الأمريكان, ولم يزده الركون إلى إذنهم إلا ضيعة ملكه, إذ عملوا على تخويفه وإخضاعه حتى سمح لهم بتفتيش بلاده وعندما اتضحت براءته مما اتهموه به غزوه على أية حال ومكنّوا من قتله.
ولا تنسوا كيف حاول القذافي حماية بقائه في منصبه بتسليمهم ما يريدون أو من يريدون, فلم يُغنوا عنه شيئاً عندما أطيح به وقتل من قِبَل الثوار. تذكروا كل ذلك لأنَّه ليس في الخضوع للغرب والركون إليهم من أجل حفظ الحال إلا المذلة التي تنتهي بالزوال. فثوبوا إلى رشدكم يرحمكم الله, واعلمو أن العزة لله جميعاً وفي الإسلام, وأن من استعاذ بغير الله فلن يزيده المستعاذ به إلا رهقا, مهما قال العلمانيون والملحدون والمتصهينون, لأنكم لا تعلمون مقدار ما تفرطون في جنب الله بموالاة أعداء محمد صلى الله عليه وسلم على أمته.
إن موضعكم كحكام ليس كموضع أي حاكم, إن أمة الحبيب المصطفى بأسرها تنظر إليكم, فلا تتركوها وتذبذبوها فتخسروا ما بينكم وبين الله تعالى من أجل مصالحة إسرائيل مرضاة لرئيسٍ محدود المدة, أو سلطةٍ محدودة المدة والقوة تظنون مخطئين أنها تملك لكم ضراً ونفعاً.
دلال خليفة
|
Leave a Reply